Search
Latest topics
Social bookmarking
الصبر نصف الإيمان
Page 1 of 1
الصبر نصف الإيمان
الصبر نصف الإيمان
حث الله تبارك وتعالى على الصبر ورغب فيه فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران:200)
وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} (النحل: 127). وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} (الطور: 48).
وقال: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (الشورى:43) وقال تعالى عن عبده ونبيه أيوب عليه السلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص:44).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والصبر ضياء" (رواه مسلم) وقال: "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر". (متفق عليه) وقال: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". (رواه مسلم).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قال عطاء: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: "إن شئت صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك". قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها.
والصبر مُرُّ المذاق كما حكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قالإنما سمي الصبر صبرًا؛ لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر في الفم).
إلا أنه حلو العاقبة:
والصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بَادَ الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له).
- وقال عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزع منه، ثم قرأ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر :10).
أنواع الصبر
والصبرثلاثة أنواع:
أولا: صبر على طاعة الله:
وبخاصة العبادات التي تصعب على النفوس بسبب الكسل كالصلاة، أو بسبب البخل كالزكاة، أو بسببهما جميعاً كالحج والجهاد. ولتحقيق هذا النوع العظيم من الصبر، ينبغي على العبد بعض الوظائف المعينة والميسرة له، وهي:
- الاستعانة بالله، واعتقاد أنه تعالى هو المُصبّر للعبد، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} (النحل: 127)، يعني إن لم يصبرك الله لم تصبر
- وإخلاص النية له تعالى، بأن يكون الباعث للعبد على الصبر هو محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه.
- استحضار الأجر العظيم الذي أعده الله تعالى للصابرين، واستشعار حلاوة هذا النداء لأهل الجنة: {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 24).
- تذكر أن الصبر في هذا المجال يصبح مع الوقت سهلاً تتعود النفس عليه، لأنه مع الإخلاص يتحقق بإذن الله عون الله للعبد، وتصبيره على ما كان يستثقله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69).
- تعظيم محبة الله في القلب؛ فالمحبة من أقوى الأسباب في الصبر على طاعته، فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي داعي المحبة في القلب كانت استجابته للطاعة بحسبه.
ثانيا: صبر عن معصية الله:
وهو أشد ما يكون العبد حاجة إليه، وبخاصة إذا تيسرت أسباب المعصية، وغاب الرقيب من البشر. وكلما كان الفعل الممنوع مما يتيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة والكذب ونحوهما، كان الصبر عليه أثقل.
ومن الوسائل المعينة على الصبر عن المعاصي:
- علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءتها، وأن الله إنما حرمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل، كما يحمي الوالد الشفيق ولده عما يضره.
- الحياء من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومسمع وكان حييًّا - استحيا من ربه أن يتعرض لمساخطه بترك طاعته أو ارتكاب معاصيه.
- مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد، فما أذنب عبد ذنبا إلا زالت عنه نعمه من الله بحسب ذلك الذنب، ومن أطاعه وشكره زاده من نعمه وآلائه.
- خوف الله وخشية عقابه، ورجاء ثوابه ومغفرته، وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده ووعيده، والإيمان به وبكتابه وبرسوله.
- المواظبة على الصوم، وتقليل الطعام قدر الإمكان فإن ذلك يكسر هيجان الشهوة.
- قطع الأسباب المهيجة للشهوة، فإنما تهيج بالنظر وتتحرك، فدواء ذلك كف البصر عن الوقوع على الصور المشتهاة، وما أكثر انتشارها في هذا الزمان، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس. ومن أسبابه الاختلاط بالنساء، والتساهل في الحديث معهن، ومصافحتهن أو الخلوة بهن، وقطع هذا السبب بمقاطعة أماكن وجود النساء-ما استطاع-، كالأسواق، وعدم الاسترسال في الحديث معهن، واجتناب لمسهن نهائياً بمصافحة أو غيرها.
ويحسن هنا الإشارة إلى قصة نبي الله يوسف عليه السلام وقد توفرت له كل أسباب مواقعة المعصية، لكنه بتوفيق الله نجا من الوقوع فيها.
يقول ابن القيم رحمه الله عن موقف يوسف وعظيم صبره عليه السلام: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته في الجب، وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية، فصبر اختيار، ورضى ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية، وعزباً ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريباً، والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكاً والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة، وذات منصب وهي سيدته وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص. ومع ذلك توعدته إن لم يفعل، بالسجن والصَغَار، ومع هذه الدواعي كلها، صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه).
ثالثا: صبر على ابتلاء الله وامتحانه:
بأنواع المصائب من أمراض، ونقص في الأموال والأنفس، وهذا كله مما لا كسب للإنسان، بل فعل الله بالعبد امتحاناً وتمحيصاً وتطهيراً.
والصبر على هذا النوع من المقدورات من أعلى المقامات، لأن سنده اليقين في ثواب الله، وحسن عوضه، وأنه أرحم الراحمين لا يفعل ذلك بعبده إلا لحكمة يعلمها، وإلا لمصلحة ذلك العبد إما عاجلاً أو آجلاً. وما دامت هذه الابتلاءات ليست من كسب العبد، ولا حيلة له فيها أو معها، فالأفضل له الصبر عليها، واحتساب مشقتها. والنصوص في فضل هذا النوع من الصبر كثيرة، ومواقف الصالحين من عباد الله في هذا الخصوص عديدة دالة على عظم يقينهم في وعد الله، وانتظارهم ثوابه جل وعلا.
النصر مع الصبر
عندما تَطول المعركة مع أهل الباطل، فإن الغَلَبة والنُّصرة تكون لأصحاب العقيدة الصحيحة، إذا تحلَّوا بالصبر والثبات على المبدأ، فالعاقبة تكون لأهل الحق؛ كما أخبر الله تعالى عن عبده ورسوله موسى عليه السلام حين قال لقومه: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، وإذا تأمَّلت كم مكَث فرعون يقتل ذرية بني إسرائيل قبل مجيء موسى - عليه السلام - ، والله عز وجل يبين في كتابه الكريم سنة ماضية في كونه لا تتبدل ولا تتغير: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص ٥]. وكانت العاقبة للمستضعفين بعد هذا الصراع الطويل المرير مع أهل الباطل!.
لقد خاطب الله تعالى خير خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام: 34]. قال ابن كثير رحمه الله: "هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمْرٌ له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعدٌ له بالنصر كما نُصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعدما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا، كما لهم النصر في الآخرة؛ ولهذا قال: {ولا مبدل لكلمات الله} أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} [الصافات: 171 -173] ، وقال تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} [المجادلة: 21] .
وقوله: {ولقد جاءك من نبإ المرسلين} أي: من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة".
كما خاطب الله جل وعلا المؤمنين بقوله: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران: 120]، يقول سيد قطب - رحمه الله - حول هذه الآية الكريمة: "فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء، وأمام مكْرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخِداع، الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل، ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها؛ اتقاء لشرهم المتوقَّع، أو كسبًا لودهم المدخول، ثم هو التقوى: الخوف من الله وحده، ومراقبته وحده، هو تقوى الله التي تربِط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تَعتصِم بحبل إلا حبله، وحين يتَّصِل القلب بالله فإنه سيَحقِر كلَّ قوة غير قوَّته، وستَشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يوادّ مَن حاد الله ورسوله؛ طلبًا للنجاة أو كسبًا للعزة!".
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لي ولك ولكل مسلم في شخص عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أنَّ في الصبرِ على ما تكرَهُ خيرًا كثيرا، وأنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأن الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العسرِ يسرًا".
حث الله تبارك وتعالى على الصبر ورغب فيه فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران:200)
وقال سبحانه: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} (النحل: 127). وقال: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} (الطور: 48).
وقال: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (الشورى:43) وقال تعالى عن عبده ونبيه أيوب عليه السلام: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص:44).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والصبر ضياء" (رواه مسلم) وقال: "ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر". (متفق عليه) وقال: "عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له". (رواه مسلم).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قال عطاء: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: إني أصرع وإني أتكشف، فادع الله لي. قال: "إن شئت صبرتِ ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك". قالت: أصبر. قالت: فإني أتكشف فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها.
والصبر مُرُّ المذاق كما حكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قالإنما سمي الصبر صبرًا؛ لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر في الفم).
إلا أنه حلو العاقبة:
والصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ألا إنَّ الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا قطع الرأس بَادَ الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا إنه لا إيمان لمن لا صبر له).
- وقال عمر بن عبد العزيز وهو على المنبر: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكان ما انتزع منه الصبر، إلا كان ما عوَّضه خيرًا مما انتزع منه، ثم قرأ: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر :10).
أنواع الصبر
والصبرثلاثة أنواع:
أولا: صبر على طاعة الله:
وبخاصة العبادات التي تصعب على النفوس بسبب الكسل كالصلاة، أو بسبب البخل كالزكاة، أو بسببهما جميعاً كالحج والجهاد. ولتحقيق هذا النوع العظيم من الصبر، ينبغي على العبد بعض الوظائف المعينة والميسرة له، وهي:
- الاستعانة بالله، واعتقاد أنه تعالى هو المُصبّر للعبد، وأن صبر العبد بربه لا بنفسه، كما قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ} (النحل: 127)، يعني إن لم يصبرك الله لم تصبر
- وإخلاص النية له تعالى، بأن يكون الباعث للعبد على الصبر هو محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه.
- استحضار الأجر العظيم الذي أعده الله تعالى للصابرين، واستشعار حلاوة هذا النداء لأهل الجنة: {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} (الرعد: 24).
- تذكر أن الصبر في هذا المجال يصبح مع الوقت سهلاً تتعود النفس عليه، لأنه مع الإخلاص يتحقق بإذن الله عون الله للعبد، وتصبيره على ما كان يستثقله، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت:69).
- تعظيم محبة الله في القلب؛ فالمحبة من أقوى الأسباب في الصبر على طاعته، فإن المحب لمن يحب مطيع، وكلما قوي داعي المحبة في القلب كانت استجابته للطاعة بحسبه.
ثانيا: صبر عن معصية الله:
وهو أشد ما يكون العبد حاجة إليه، وبخاصة إذا تيسرت أسباب المعصية، وغاب الرقيب من البشر. وكلما كان الفعل الممنوع مما يتيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة والكذب ونحوهما، كان الصبر عليه أثقل.
ومن الوسائل المعينة على الصبر عن المعاصي:
- علم العبد بقبحها ورذالتها ودناءتها، وأن الله إنما حرمها ونهى عنها صيانة وحماية عن الدنايا والرذائل، كما يحمي الوالد الشفيق ولده عما يضره.
- الحياء من الله سبحانه، فإن العبد متى علم بنظره إليه ومقامه عليه وأنه بمرأى منه ومسمع وكان حييًّا - استحيا من ربه أن يتعرض لمساخطه بترك طاعته أو ارتكاب معاصيه.
- مراعاة نعمه عليك وإحسانه إليك، فإن الذنوب تزيل النعم ولا بد، فما أذنب عبد ذنبا إلا زالت عنه نعمه من الله بحسب ذلك الذنب، ومن أطاعه وشكره زاده من نعمه وآلائه.
- خوف الله وخشية عقابه، ورجاء ثوابه ومغفرته، وهذا إنما يثبت بتصديقه في وعده ووعيده، والإيمان به وبكتابه وبرسوله.
- المواظبة على الصوم، وتقليل الطعام قدر الإمكان فإن ذلك يكسر هيجان الشهوة.
- قطع الأسباب المهيجة للشهوة، فإنما تهيج بالنظر وتتحرك، فدواء ذلك كف البصر عن الوقوع على الصور المشتهاة، وما أكثر انتشارها في هذا الزمان، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس. ومن أسبابه الاختلاط بالنساء، والتساهل في الحديث معهن، ومصافحتهن أو الخلوة بهن، وقطع هذا السبب بمقاطعة أماكن وجود النساء-ما استطاع-، كالأسواق، وعدم الاسترسال في الحديث معهن، واجتناب لمسهن نهائياً بمصافحة أو غيرها.
ويحسن هنا الإشارة إلى قصة نبي الله يوسف عليه السلام وقد توفرت له كل أسباب مواقعة المعصية، لكنه بتوفيق الله نجا من الوقوع فيها.
يقول ابن القيم رحمه الله عن موقف يوسف وعظيم صبره عليه السلام: (وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته في الجب، وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية، فصبر اختيار، ورضى ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية، وعزباً ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريباً، والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكاً والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة، وذات منصب وهي سيدته وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص. ومع ذلك توعدته إن لم يفعل، بالسجن والصَغَار، ومع هذه الدواعي كلها، صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه).
ثالثا: صبر على ابتلاء الله وامتحانه:
بأنواع المصائب من أمراض، ونقص في الأموال والأنفس، وهذا كله مما لا كسب للإنسان، بل فعل الله بالعبد امتحاناً وتمحيصاً وتطهيراً.
والصبر على هذا النوع من المقدورات من أعلى المقامات، لأن سنده اليقين في ثواب الله، وحسن عوضه، وأنه أرحم الراحمين لا يفعل ذلك بعبده إلا لحكمة يعلمها، وإلا لمصلحة ذلك العبد إما عاجلاً أو آجلاً. وما دامت هذه الابتلاءات ليست من كسب العبد، ولا حيلة له فيها أو معها، فالأفضل له الصبر عليها، واحتساب مشقتها. والنصوص في فضل هذا النوع من الصبر كثيرة، ومواقف الصالحين من عباد الله في هذا الخصوص عديدة دالة على عظم يقينهم في وعد الله، وانتظارهم ثوابه جل وعلا.
النصر مع الصبر
عندما تَطول المعركة مع أهل الباطل، فإن الغَلَبة والنُّصرة تكون لأصحاب العقيدة الصحيحة، إذا تحلَّوا بالصبر والثبات على المبدأ، فالعاقبة تكون لأهل الحق؛ كما أخبر الله تعالى عن عبده ورسوله موسى عليه السلام حين قال لقومه: {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128]، وإذا تأمَّلت كم مكَث فرعون يقتل ذرية بني إسرائيل قبل مجيء موسى - عليه السلام - ، والله عز وجل يبين في كتابه الكريم سنة ماضية في كونه لا تتبدل ولا تتغير: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص ٥]. وكانت العاقبة للمستضعفين بعد هذا الصراع الطويل المرير مع أهل الباطل!.
لقد خاطب الله تعالى خير خلقه محمدا صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ}[الأنعام: 34]. قال ابن كثير رحمه الله: "هذه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية له فيمن كذبه من قومه، وأمْرٌ له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، ووعدٌ له بالنصر كما نُصروا، وبالظفر حتى كانت لهم العاقبة، بعدما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ، ثم جاءهم النصر في الدنيا، كما لهم النصر في الآخرة؛ ولهذا قال: {ولا مبدل لكلمات الله} أي: التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين، كما قال: {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} [الصافات: 171 -173] ، وقال تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز} [المجادلة: 21] .
وقوله: {ولقد جاءك من نبإ المرسلين} أي: من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة".
كما خاطب الله جل وعلا المؤمنين بقوله: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[آل عمران: 120]، يقول سيد قطب - رحمه الله - حول هذه الآية الكريمة: "فهو الصبر والعزم والصمود أمام قوتهم إن كانوا أقوياء، وأمام مكْرهم وكيدهم إن سلكوا طريق الوقيعة والخِداع، الصبر والتماسك لا الانهيار والتخاذل، ولا التنازل عن العقيدة كلها أو بعضها؛ اتقاء لشرهم المتوقَّع، أو كسبًا لودهم المدخول، ثم هو التقوى: الخوف من الله وحده، ومراقبته وحده، هو تقوى الله التي تربِط القلوب بالله، فلا تلتقي مع أحد إلا في منهجه، ولا تَعتصِم بحبل إلا حبله، وحين يتَّصِل القلب بالله فإنه سيَحقِر كلَّ قوة غير قوَّته، وستَشد هذه الرابطة من عزيمته، فلا يستسلم من قريب، ولا يوادّ مَن حاد الله ورسوله؛ طلبًا للنجاة أو كسبًا للعزة!".
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لي ولك ولكل مسلم في شخص عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أنَّ في الصبرِ على ما تكرَهُ خيرًا كثيرا، وأنَّ النصرَ مع الصبرِ، وأن الفرجَ مع الكربِ، وأنَّ مع العسرِ يسرًا".
Amine Morocco Sat- https://islamnet.iftopic.com/
- https://www3.0zz0.com/2023/10/19/22/824410673.gifhttps://www3.0zz0.com/2023/10/19/22/824410673.gifhttps://i.servimg.com/u/f17/20/52/68/78/ia_ai_10.gifhttps://i.servimg.com/u/f17/20/52/68/78/ia_ai_10.gif
- Posts : 1
Join date : 2023-10-14
Page 1 of 1
Permissions in this forum:
You cannot reply to topics in this forum
Wed Sep 04, 2024 11:19 pm by islamnet
» الإيمان بسؤال القبر ونعيمه وعذابه
Tue Sep 03, 2024 11:48 pm by islamnet
» من وسائل الثواب
Tue Sep 03, 2024 11:46 pm by islamnet
» عضل النساء
Tue Sep 03, 2024 11:44 pm by islamnet
» متى نصر الله
Sun Sep 01, 2024 8:16 pm by islamnet
» الاهْتِمام بالضُعَفاء في السيرةِ النبَويَّة
Sun Sep 01, 2024 8:14 pm by islamnet
» لفظ (الخيانة) في القرآن الكريم
Sun Sep 01, 2024 8:06 pm by islamnet
» لفظ (الخيانة) في القرآن الكريم
Sun Sep 01, 2024 7:52 pm by islamnet
» في الحديث : {إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها
Thu Aug 29, 2024 5:50 pm by Morocco1978
» معنى قول الله عز وجل: (ولقد رآه نزلة أخرى)، وهل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء
Thu Aug 29, 2024 5:46 pm by Morocco1978
» لا تنفذون إلا بسلطان
Sun Aug 25, 2024 9:10 pm by Spider man
» مفهوم الأسرة الممتدة في السنة النبوية
Sun Aug 25, 2024 7:46 pm by Spider man
» منزلة القرآن الكريم وحقوقه علينا
Fri Aug 23, 2024 1:43 pm by Amine
» جمع لأحكام وفضائل الجمعة
Fri Aug 23, 2024 12:54 pm by Amine
» الاستدانة هم بالليل وذل بالنهار
Tue Aug 20, 2024 10:56 pm by islamnet
» مواقف من مراعاة النبي صلى الله عليه وسلم لمشاعر المرأة
Mon Aug 19, 2024 4:40 pm by islamnet
» مقاصد سورة الصف
Mon Aug 19, 2024 3:57 pm by islamnet
» علاج آلام الأقدام من سنة النبي عليه الصلاة والسلام
Fri Aug 16, 2024 3:02 pm by islamnet
» علاج آلام الأقدام من سنة النبي عليه الصلاة والسلام
Fri Aug 16, 2024 3:01 pm by islamnet
» الغيب في حياة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام
Fri Aug 16, 2024 2:59 pm by islamnet
» فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله
Tue Nov 07, 2023 6:07 pm by islamnet
» متى نصر الله
Tue Nov 07, 2023 6:03 pm by islamnet
» التوحيد أولى المطالب
Wed Nov 01, 2023 4:53 pm by Hicham
» نُصْرَة المظلومين في سِيرة خير المُرْسَلِين
Wed Nov 01, 2023 4:50 pm by Hicham
» الاهتمام بأمر المسلمين في السنة النبوية
Wed Nov 01, 2023 4:46 pm by Hicham
» من حِكَم البلاء
Wed Nov 01, 2023 4:43 pm by Hicham
» واجب المسلم تجاه إخوانه في فلسطين المحتلة
Wed Oct 25, 2023 9:17 pm by islamnet
» الصبر نصف الإيمان
Sun Oct 22, 2023 3:33 pm by Spider man
» المسجد الأقصى في تاريخنا
Sun Oct 22, 2023 3:29 pm by Spider man
» البأساء والضراء في القرآن الكريم
Thu Oct 19, 2023 11:37 pm by islamnet
» أسباب الفلاح كما بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ النَّبَوِيَّة
Thu Oct 19, 2023 11:29 pm by Admin
» الأدلة على عدم جواز الترحم على غير المسلم بعد موته، مع رد شبهات المجيزين
Thu Oct 19, 2023 11:27 pm by Admin
» الصبر نصف الإيمان
Thu Oct 19, 2023 11:21 pm by Amine Morocco Sat
» مواعظ نبوية بشأن الصلاة
Tue Oct 17, 2023 7:13 pm by Morocco1978
» الصحابة في مَنْهج أهل السُنة
Tue Oct 17, 2023 6:58 pm by Morocco1978
» ثلاثة عقود في المكر للإسلام
Mon Oct 16, 2023 12:19 am by Hicham
» مزاح أم سخرية ؟؟؟
Sun Oct 15, 2023 7:20 pm by Imane
» وأفوض أمري إلى الله
Sat Oct 14, 2023 4:05 pm by Morocco1978
» الحكم الشرعي للعلاج بالطاقة
Sat Oct 14, 2023 12:01 am by islamnet
» تكرار سؤال الله دخول الجنة، والاستجارة من النار ثلاثا أو سبعا
Fri Oct 13, 2023 10:26 pm by islamnet
» مواعظ نبوية بشأن الصلاة
Fri Oct 13, 2023 10:24 pm by islamnet
» سُبحانَ ذي الجبَروتِ والمَلَكوتِ والكِبرياء والعَظَمة
Fri Oct 13, 2023 10:21 pm by islamnet
» الإيمان برقابة الله تعالى
Fri Oct 13, 2023 10:16 pm by islamnet
» الصحابة في مَنْهج أهل السُنة
Fri Oct 13, 2023 10:13 pm by islamnet
» أسرة إبراهيم عليه السلام
Fri Oct 13, 2023 9:16 pm by islamnet
» السيرة النبوية والوسطية والاعتدال
Fri Oct 13, 2023 9:12 pm by islamnet
» السيرة النبوية والوسطية والاعتدال
Fri Oct 13, 2023 9:12 pm by islamnet
» الإمام أبو حنيفة النعمان
Fri Oct 13, 2023 7:35 pm by islamnet
» لم تقولون ما لا تفعلون
Fri Oct 13, 2023 7:19 pm by islamnet
» من أسباب الغلو الإعراض عن سؤال العلماء
Fri Oct 13, 2023 7:16 pm by islamnet
» إذا مررتم برياض الجنة.. فارتعوا
Fri Oct 13, 2023 7:11 pm by islamnet